كنوز تبسة الاثرية الرومانية


مرحبا بك ايها القاريء الكريم ، في هاته الصفحة ، و التي ستعرف من خلالها قليلا من تاريخ هذه المدينة العريقة ، الا و هي (تبسة) أو (تيفيست) .
ان هذه المدينة جذورها ضاربة في أعماق التاريخ ، حيث ترجع تسميتها الى البرب الأوائل ، الذين اطلقوا عليها هذا الاسم ، و معناه (اللبؤة) ، أي انثى الاسد ، و لما دخلها الاغريق أول مرة ، شبهوها بمدينة (تيبس) الفرعونية لكثرة خيراتها ، و هي تلقب اليوم باسم طابا. و لما دخلها الرومان اطلقو عليها اسم (تيفست) لسهولة النطق عندهم. و لما فتحها المسلمون عربوا الاسم و اصبح (تبسة) بفتح التاء و كسر الياء و فتح السين.


باب سولومون السور الروماني تبسة
و من بين العوامل المهمة التي جعلتها تجذب انظار الحضارات التي مرت عليها هي :
الموقع الاستراتيجي و وفرة المياه و خصوبة ارضها ، و هذا قبل التاريخ ، و قبل هذا فقد استقر بها الانسان البدائي ، و قد اتضح


ذلك من المخلفات التي تركها ، كالادوات الحجرية و الصوانية ، و كان ذلك منتشرا في عدة مناطق من اقليم المدينة ، كالمخلفات (الأشولية) بمنطقة الماء الأبيض ، و المخلفات العاترية بمنطقة واد الجبانة (بير العاتر) ، و اطلق عليها اسم (الحضارة العاترية) نظرا لتميزها الخاص ، و هو العنق المشغول ، و قد عمت هذه التسمية كامل التراب الوطني مدة من الزمن ، كما زامنتها حضارة اخرى تدعى (الحضارة القفصية) نسبة الى مدينة قفصة التونسية.
عرف الانسان أول استقرار له بالمدينة ، في الفترة الممتدة بين 3000 الى 4000 قبل الميلاد ، حيث استقر في المغرات و الكهوف الموجودة في المدينة ، و ذلك ما دلت عليه الحفريات الحديثة في منطقة (قسطل) بقرب جبل الدير شمال المدينة ، و اطلق عليه اسم (الحواتية) ، حيث وجدت اواني و قدور فخارية كثيرة ، تحمل نقوش و زخارف تدل على هذه الفترة ، و هذا يدل على ان بداية تأسيس المدينة راجع الى القرن الثالث قبل الميلاد ، كما ذكر ذلك (ديودور الصقلي) ، الذي واكب الامبراطور أغسطس في القرن الأول الميلادي ، و ذكر أن (تيفست= هي اقدم مدينة في شمال أفريقيا.
في القرن الاول الميلادي حكمت العائلة الفلافية هذه المدينة ، و ذلك في عهد الامبراطور فيسيانوس من قبل الفرقة العسكرية الاغسطسية الثالثة ، و كان مقرها في حيدرة التونسية ، و جعلوا منها مقرا هاما لذائرة المالية و الممتلكات ، و في القرنين الثاني و الثالث الميلادي.

كانت الديانة المسيحية هي السائدة بالمدينة ، و ذلك في منتصف القرن الثالث الميلادي ، و كان لها اسقف يدعى (لوكيوس) ، و هو قنصل قرطاج في السنة 256 ميلادي بالضبط ، و استمر حكم الرومان عليها ، الى ان وطأتها أقدام الوندال من الجنس الاري ، و بصفتهم كانوا ضد الكاثوليكية و لا يؤمنون بالمسيح ، فقد هدموا كل ماشيده الرومان ، و استولوا على الممتلكات الهامة بالمدينة ، و فرضوا ضرائبا على المواطنين ، و قاموا بتشييد أسوار ، و هذا ما عثر عليه الباحثون الاثريون جنوب المدينة ، حيث وجدوا 48 لوحة بمثابة عقود ملكية ، و فواتير بيع و شراء ، و الزواج و الضرائب .
و لكنهم لم يستقروا مدة طويلة بالمدينة ، فقد قضى عليهم الجنرال البيزنطي (سولومون) ، و ذلك سنة 534 للميلاد ، و قام بتشييد قلعنه و أسوارها من الحجارة التي اخذها من بقايا المدينة الرومانية ، ثم حصن اسوار المدينة بـ 14 برجا ، و جعل لها مدخلين ، من الشمال مدخل قوس النصر (كاراكالا) ، و من الشرق المدخل الخاص به (باب سولومون) ، لنه لم يطل بقائه بالمدينة ، حيث تم القضاء عليه من طرف القبيلة المحلية (الموريين) ، و ذلك عند اسوار المدينة ، حيث نصبوا له كمين و ذلك في نهاية القرن السادس الميلادي .
و  بعدها دخلها الفاتحون العرب ، و أطلقو عليها اسمها الحالي (تبسة) ، و ذلك سنة 1573 ، و بعدها خضعت لحكم الاتراك ، عندما استولى الحاكم التركي (ستان باشا) على تونس في 1842  ميلادي ، الى أن سقطت المدينة في ايدي الاستعمار الفرنسي . و في سنة 1962 استعادها أهلها ، الذين هم من القبائل البربرية.

المعالم المهمة في تبسة:

السور:

السور البزنطي لمدينة تبسة
 

هو أحد أروع و أعظم البناءات التاريخية الموجودة بهذه المدينة ، بني سنة 535 للميلاد ، على يد القاد البطريق 'سولومون' ، و ذلك لحماية المدينة من الغزو، و فرض سلطة البزنطيين عليها ، و ضرب الطامعين بها .
يقول المؤرخين أن أجزاءا كثيرة من هذا السور قد دمرت في مراحل زمنية سابقة ، و قد قام المستعمر الفرنسي بترميمها ، و قد استعملها كثكنة عسكرية حصينة ، و لهذا السور ثلاثة أبواب معروفة و واضحة هي :
باب كاراكالا و باب سولومون و باب شهلة ، كما اضاف المستعمر الفرنسي ثلاثة أبواب صغيرة فيه ، تعرض في الفترة الممتدة من 1960 الى 1970 الى تدمير باب شهلة و باب قسنطينة ، و قد اعيد ترميمهما و تنظيفهما خلال سنوات الثمانينات.
و اليك عزيزي القاريء جولة حول السور البيزنطي

المسرح الروماني:

 المدرج الروماني لمدينة تيفست

 من بين أول البنايات الرومانية بالمنطقة ، بناه الرومان سنة 75 للميلاد ، على يد القنصل الخامس الامبراطور فسباسيانوس ، كان يستعمل كمسرح في بعض الاوقات ، لكن الاستعمال السائد له ، كان كحلبة لالعاب المصارعة ، بين الفرسان و أسرى الحرب و الحيوانات المفترسة ،له شكل دائري يقدر قطره بـ65 متر ، و هذا بناءا على كلام العالم 'سيري دوروش' الذي اكتشفه.

معصرة الزيتون 'برزقال':

معصرة الزيتون الرومانية برزقال

تبعد على مقر ولاية تبسة بـ 35 كيلومتر جنوبا ، و تقع على الطريق الرابط بين تبسة و بير العاتر ، تأسست بين سنتي 98 و 117 للميلاد ، و كان تعمل على عصر الزيتون ، و الذي كان يزرع بكثرة في تلك المناطق ، تمتد مساحتها على اكثر من 2000 متر مربع ، و كان بناءا على عدة طوابق ، فيها أربعة أقسام رئيسية ، و لها سبعة أبواب على جدارين متوازيين ، في كل جهة منها عدة معاصر ، و هي مصنفة وطنيا و تأتي الثانية بعد معصرة الناظور بولاية تيبازة.

تبسة الخالية:

تبسة الخالية طريق الميزاب

هي عبارة عن بانوراما فنية رائعة ، كبنايات جميلة و متداخلة ، تقع بالقرب من مقر الولاية على الطريق المؤدي الى الدكان عبر حي جبل الجرف ، و كانت في السابق تسمى طريق القنطاس ، تبعد حوالي 4 كيلومتر على السور الروماني من جهة الجنوب ، قال المؤرخ 'جيرول' أن حجارتها استعملت من طرف الاستعمار الفرنسي لترميم السور البيزنطي ، و قد تأسست في العهد الروماني.
يقول العالم 'سيري دوروش' أنها محاطة بسور دائري ، و يوجد فيها أيضا معبد دائري ، يقف على 16 عمودا ، لها ثلاث ممرات غير مكشوفة ، كانت فيها تماثيل و مومياءات في السابق ، تضم الجهة الشرقية منها بابا مربعا تتوسطه دائرة ، هي بمثابة مخرج للفرقة المقدسة ،توجد بها اسطبلات ، كما قنوات لايصال المياه اليها من عين الميزاب و هي محمولة على أقواس ، كما تحتوي على معصرة زيتون من الجهة الجنوبية.

الكنيسة :

اقدم كنيسة في شمال افريقيا

هي أحد أروع البناءات التاريخية و النادرة في العالم بأسره ، و مازالت تحافظ على طابعها المعماري الى حد اليوم ،  تعرف عليها العالم 'ستيفن كزيل' سنة 1901 ، فحصر تاريخ بناءها في العصر الروماني الحديث ، في عهد ازدهار الديانة المسيحية و امتدادها ، كما عثر سنة 1944 على قبو تحتها ، و هو عبارة عن مصلى تحت الأرض ، و قد كان موجودا قبل بناء الكنيسة فوقه. و عاد شرف تسمية هذه الكنيسة الى 'القديسة كريسبين' في ذلك الوقت.
و هي مقسمة الى قسمين ، أحدها عبارة عن حديقة فيها اربع اطراف على شكل صليب ، و القسم الاخر يضم ميناء الكنيسة ، مدخلها احادي على شكل قوس ، يتوسطها ممر طويل طوله 52 متر ، على يمينه يقع مدخل الكنيسة ، و هي روعة في التصميم ، حيث تتكون القاعة الرئيسية من صحن دائري واقف على أعمدة دائرية ، و أرضها و جدرانها مغلفة بالفسيفساء الرائعة.

الكنوز في تبسة:

بصفة هذه المدينة كانت قبلة للتجار ، و بصفتها كانت أرض زراعة و صناعةو رخاء ، عبر العصور التي تولت عليها الحضارات القديمة ، و خاصة الفترة الرومانية التي طال بقاءها ، و بما ان في ذلك الزمان لم تكن هناك بنوك و مصارف ، و كانت الحروب و الغزوات دائمة ، فقد كان أصحاب الاموال و الثروات ، من عامة الشعب و حتى الحكام ، يقومون بدفن مدخراتهم الثمينة و أموالهم في الارض .
و كانت هناك طرق عدة لدفن الاموال و الممتلكات و اخفائها عن الطامعين فيها .

الكنوز البسيطة:

أي ممتلكات الناس البسطاء الذين يقومون بوضع ما يملكونه من أموال و مجوهرات في جرة ، و يقومون بدفنه في الارض ، أو وضعه في شق جدار ثم يغطونه ، ليعودوا اليه لاحقا.

الكنوز الكبيرة:

أو كنوز الحكام أو الدولة ، و كان يخطط جيدا لدفنها و اخفائها ، و يقومون بعمل كبير جدا من أجل ذلك ، كأن يسخرون عددا كبيرا من العمل الذين هم من الجنود ، لحفر سراديب عميقة في الارض ، و تبنى من الداخل ، توضع بها أفخاخ لمن يحاول أخذ تلك الكنوز ثم تقفل تلك السراديب و تموه ، و بعدها توضع لها اشارات توجيهية و تثبيتية مدروسة جيدا ، ثم توضع خريطة للمكان و تكون فائقة السرية ، و حتى من قاموا ببناء ذلك المكان فيقتلون للحفاظ على السرية .
و غالبا ما تكون هذه الكنوز مدفونة في قمم أو سفوح الجبال الحجرية ، أو بجوار الانهار و الابار ، أي في أماكن لا تستطيع الطبيعة تغيير ذلك المكان على مدى الدهر ، حتى يستطيعون ايجادها بعد مدة طويلة من الزمان.

كنوز رجال الدين:

كذلك يخططون جيدا لدفنها ، و لكنهم يلجأون الى أماكن أكثر سرية كالابار و المغارات و الكهوف ، و لكنهم على عكس السابق يقومون بطلسمة هذه الاماكن بتعاويذ سحرية ، أي يوكلون بها حراسا من الجن ليقوم بحراستها ، و هذا يسمى في اللغة المحلية 'المانع' و يطلق عليه الشيوخ أصحاب العزيمة 'الرصد'.
و يا ويح من يقترب منها ، و بعد ذلك توضع خريطة أيضا لهذا الدفين للرجوع اليه في وقت لاحق . و تسمى هذه الخريطة عند أصحاب الميدان بـ'(التقييدة).

كنوز القبور:

لقد كان هناك اعتقادا سائدا خلال تلك الفترة ، أن الميت سيعود الى الحياة عند وضعه في قبره ، لذلك كانوا يقومون بوضع مدخراته معه في قبره ، و كانوا يضعون اشارات بجانب القبور لتدل على المكانة التي كان يحتلها هذا الميت في المجتمع أثناء حياته. و عندما يكون الميت ذا مكانة رفيعة في المجتمع ، كأن يكون قائدا عسكريا ، أو رجل دين ، أو حتى شخصية كبيرة في المجتمع ، فلابد أن يكون له قبرا سريا ، و ذلك حتى لا يصل اليه لصوص المقابر من الديانات الاخرى ، و بالطبع تكون الكنوز التي معه كثيرة جدا.

استخراج الكنوز:

أثناء وجود المستعمر الفرنسي بالجزائر ، قام بالتنقيب داخل السور الروماني ، و أخذ كنوزا طائلة ، و حتى في الاماكن الاخرى استخرج العديد من الكنوز ، و لكن كنوز الرومان و غيرهم مازالت موجودة الى حد اليوم ، و في مناطق كثيرة من اقليم هذه الولاية . و الى اليوم مازالت الناس تنقب على هذه الكنوز ، فمنهم من حالفه الحظ ، و منهم من لم يحالفه ، لأن الاغلبية لا يعتمدون على العلم الذي يفك تلك الرموز و يوصل الى الكنوز.

قمة ازمر أو (قمة السيد عبد الله):

قمة ازمر جنوب المدينة

تبقى اسطورتها لغزا محيرا في نظر الكثيرين ممن يبحثون عن الكنوز ، لكن الاعتقاد السائد لدى الجميع ، و هو الراجح ، أن هذه القمة و التي تقع مباشرة جنوب السور البيزنطي أي جنوب المدينة ، كانت في القديم منجما لاستخراج الذهب و بعض الاحجار الكريمة منها ، و يوجد بها سرداب كبير ، يتصل بدهليز تقول الروايات أنه متصل بداخل السور البيزنطي.
حيث روى أحد الشيوخ ، أنه عندما حج في سنوات الاربعينات ، تعرف عليه شيخ من المغرب الشقيقة ، و عندما عرف أنه يسكن بمدينة تبسة ، أخبره أنه سيزوره عند العودة من الحج ، و بالفعل عندما انقضى موسم الحج ، جاء ذلك المغربي لزيارة هذا الشخص من تبسة ، و عندها أخبره انه مختص في استخراج الكنوز ، و أن بحوزته خريطة تدل على مكان اكبر كنز في تبسة ، و هو موجود في (قمة ازمر) ، و بالفعل ذهبا معا الى تلك القمة ، و دخلا السرداب .
قام ذلك الشيخ المغربي باشعال البخور و القاء العزيمة فانفتح باب عظيم في جدار السرداب ، و كانت هناك كنوزا عظيمة ، من ذهب و أحجار كريمة كالؤلؤ و الياقوت و الالماس ، فحمل ما أستطاع حمله ، و حمل مضيفه أيضا ما استطاع حمله ، يقول الراوي : عندما هممنا بالخروج ، قال ذلك المغربي سالقي عزيمة لاغلاق الباب و بعدها نخرج من السرداب ، قال: عندما راح يلقي العزيمة ، فقدت وعيي و أغمي علي ، و عندما أفقت لم أجده ، و وجدت نفسي وحيدا داخل ذلك المكان المظلم ، و لم أعرف طريق الخروج ، قال فرحت أتلمس الجداران و أسير لمدة أكثر من 6 ساعات ، حتى رأيت نقطة مضيئة ، و عندما اقتربت منها و رحت انخرها بعصايا ، حتى انفتحت قليلا ، فخرجت منها بصعوبة ، فوجدت نفسي وسط المدينة .
يقول العارفون أن خزينة الرومان أيام احتلالهم للمدينة ، كانت كلها تخزن في ذلك المكان.
و كل هذا يبقى مجرد فرضيات.

الاشارات الدالة على الكنوز:

تقريبا جميع الاشارات التكنيزية موجودة في تبسة ، و هي منتشرة في أماكن عديدة و متفرقة ، حيث لا يخلو منها مكان ، و الرمز الاكثر انتشارا هو رمز ( المربع) ، و الذي بكون وحده في الغالب ، دون وجود أي جرن أو سيال معه ، و في هذه الحالة فهو يدل على مخازن ألبسة أو أسلحة أو مؤونة ، لان المدينة في السابق كانت عاصمة اقتصادية ، و بهذا فهي دائما مطمعا للغزاة ، من طرف القبائل و الشعوب الاخرى. كما توجد هناك رموز أخرى كثيرة تدل على القبور و المدافن ، منها من  يعرف خبراء علم الاثار معناها ، و منها ما هو مجهول من طرفهم ، و لم يدرج الى اليوم ضمن قواميس الاثريات. بصفة هذه المدينة مرت عليها حضارات عدة ، هذا زيادة على انسان ما قبل التاريخ الذي عاش بها، و ترك هو الاخر بصمته.
أما الاشارات الاخرى المنتشرة هي:
اشارة الثور، اشارة الكبش، اشارة السمكة، اشارة السلحفاة، اشارة الشمس، اشارة الافعى، اشارة عنقود العنب، اشارة الصليب، مربط الفرس، اشارة الجمل، اشارة الجرة، اشارة الفارس، اشارة الاسد، اشارة الذكر، اشارة الغزال، اشارة السداية، اشارة السهم، و هي منتشرة في عديد من الاماكن ، و خاصة سفوح الجبال و الوديان.