مقلب جرة الكنز

اصبحت الكنوز هي الشغل الشاغل لنوعين من الناس ، النوع الأول هو رجل حاصره الفقر من جميع النواحي فلم يجد حلا سوى أنه يتبع هذه الطريق ليبحث عن الكنز في كل مكان ، و النوع الثاني هو رجل يملك المال الكثير ، و باله مرتاح فأصبح يفكر بأمر الكنوز ليزيد من ثروته و لتضييع وقته باتخاذها هواية ، و بين هذا و ذاك ظهر نوع ثالث هم النصابين المحتالين ، الذين يظهرون على شكل خبراء الكنوز أو شيوخ العزائم و فك الرصد ، و بالفعل فقد استطاعوا استدراج الكثير من الناس الى مصيدتهم و أخذ أموالهم بأيسر الطرق ، و القصة التي سنرويها لك اليوم ، هي قصة واقعية تمت أطوارها على أرض الواقع ، بمدينة تبسة الجزائرية .

جرة الكنز

الكنز يبحث عنك :

كنز في أرضك :

كان هناك في أحد الأرياف رجلا متوسط الحال ، يعيش حياة عادية هو و أفراد عائلته ، يعيشون على زراعة الارض و تربية المواشي
من الغنم و الأبقار و الماعز ، و لا ينقصهم شيئا ، الا أن حمى الكنوز و الغنى الفاحش كانت تراود هذا الشخص ليل نهار ، و بدأ يحتك ببعض الممارسين في الميدان من الهواة ليسأل عن بعض الأمور التي يجهلها ، فقد كان حلمه الوحيد أن يحصل على كنز كبير من الذهب و الاحجار الكريمة و المجوهرات ، بحكم موقع سكنه ، فهو يسكن في مكان تملأه بقايا الآثار الرومانية ، وفي بعض الأوقات تنفتح مغارات تخزين قديمة في أرضه . و ظل على تلك الحال حتى وصل خبره الى المحتالين.

الليلة الموعودة:

في ليلة من الليالي بينما كان هذا الرجل ساهرا في بيته مع عياله ، اذ بمنادي ينادي عليه من خارج البيت ، و عندما خرج وجد ثلاثة من الناس ينتظرونه ، فرحب بهم و سألهم عما يحتاجون ، فقالوا له: نريد التكلم معك بأمر مهم يخصك.
فأدخلهم على الفور الى بيته ، و أحضر لهم قهوة ، ليبدأوا على الفور في التكلم في الموضوع ، تكلم أحد الثلاثة مقدما نفسه و زملائه على أنهم خبراء كنوز ، و أحدهم هو شيخ مختص في فك الرصد عن الاماكن المرصودة بالجن .
و قال له : بأن أرضه هذه تحوي في طياتها كنزا لا يقدر بثمن ، و هو من الذهب الخالص و أندر المجوهرات و الاحجار الكريمة ، و أنه لابد من أخذ موافقته حتى يقومون باستخراجه ، لتكون لهم حصة فيه . فرح الرجل  فرحا شديدا و رحب بالفكرة ، و قال لهم: و متى نبدأ العمل ؟
فأجابه الرجل الثاني: يجب علينا تحديد المكان بدقة أولا ، و هذا الأمر سيقوم به الشيخ و معاونه ، فهيء لهما الجو و لا تترك أحدا خارج البيت ليبدءا العمل . و تم ذلك ليخرج اثنان من العصابة تاركين صاحب البيت و صديقهم يتكلمون في التفاصيل ، و قد حضروا سابقا جرة مليئة بالخردوات الحديدية ، ذهبوا الى سيارتهم المركونة بعيدا عن البيت و أخرجوا تلك الجرة ، و دفنوها في مكان قريب في أرض محروثة حديثا ، و قاموا بتمويه المكان و تحديده بالضبط ، ثم عادوا الى صديقيهما في البيت مبتسمين ظاهرة عليهم علامات الفرح ، و قالوا بأنهما قد حددا المكان ، و بأن الامانة موجودة فعلا.

الطماع يبيت ساريا:

قال لهم صاحب البيت: متى سنستخرج الكنز فأنا في أحر الشوق لذلك ، فأجابوه بأنه ليس بالأمر الهين ، و خاصة و أن المكان مرصود لذلك سننصرف الآن و سنعود اليك في وقت لاحق ، و هو الوقت الذي سيحدده الشيخ ، كما سيحضر البخورات اللازمة و يحفظ التعاويذ الخاصة ، فقال لهم : أرجوكم لا تطيلوا المدة علي ،و انصرف الثلاثة ، تاركين صاحبهم في قمة الفرح و السعادة ، و لم ينم من تلك الليلة ، و هو يفكر كيف ستتغير حياته ، و كيف سيصبح من أثرياء المنطقة ، و يمني نفسه بالجاه و السطوة.

استخراج الكنز:

بعد أسبوع بالظبط عادت المجموعة الى صاحبنا ، فاستقبلهم استقبالا رائعا ، و أمر زوجته بأن تحضر لهم عشاءا يليق بمقامهم ، و بعد أن تعشوا و شربوا الشاي ، و قد كان الوقت متأخرا بعض الشيء ، أخبروه أنه قد حان وقت العمل ، و بأنه هو من سيقوم بالحفر ، حين يكون الشيخ ملتزما بالقاء العزيمة ، و أحدهم يطلق البخور ، و اتجهوا الى المكان المتهوم و بدأوا ، وراح هو يحفر ، و قالوا له حاذر أثناء الحفر لأن الكنز قريب ، و في مرة من المراة أثناء ضربة الفأس لاحظ وجود شيء ، و حين أبعد التراب بيده رأى جانب الجرة ، فنظر اليهم ضاحكا ، فقال له الشيء أبعد التراب بحذر ثم أخرجها ، و بالفعل قام باخراجها من الحفرة ، ليجدها بنفس المواصفات التي ذكرها له الباحثين عن الكنوز من قبل ، هي جرة من فخار ذو نوع قديم فمها مغلوق بالجبس. و ما يرن بداخلها معدن.
حملوا الجرة و اتجهوا الى البيت ، فكر شيخ العزيمة قليلا ، ثم قال : يا صاحبي ان الرصد مازال متمسكا بها ، و لو فتحناها الآن ستتحول الى فحم و رماد و لن يطالنا منها شيء ، فقال صاحبنا و ما العمل؟
قال له الشيخ : في هذه الحالة يلزمنا عقار لا يتواجد الا ببلاد المغرب الاقصى ، و هو غال الثمن بعض الشيء ، فسأله صديقنا بسرعة: و كم ثمنه ، فأجابه بأن سعره حوالي 100 مليون سنتيم هذا ان وجدوه عند صديق مزعوم لهم من المغرب،نظر الرجل الى الجرة قائلا: و كم من الوقت يلزم لاحضاره ، فأجابوه بأنها مسألة أسبوع بالكثير ، فقال لهم لا مشكلة ، فالمبلغ عندي شرط أن تبقى الجرة بحوزتي ، فوافقوا على الامر ، شرط أن لا يكلم أحدا في الموضوع ، و أن يبقي الحكاية سرا. فتركوا له الجرة و أخذوا المبلغ و انصرفوا.

ماذا يوجد داخل الجرة:

انعزل الرجل عن الناس ملازما للبيت لا يكلم أحدا من جيرانه أو أصدقائه، و لاحط عليه الجميع ذلك ، و مر الأسبوع الأول ثم الاسبوع الثاني ثم الثالث و لم يظهر الخبراء ، فبدأ حاله يتعقد و لم يجد اليهم طريقا أو دليلا ، و عندما طالت المدة ، لم يجد بدا من التقرب من أحد أصدقائه المقربين و يكلمه بالأمر ، فقال له مباشرة : بأنك وقعت ضحية للنصابين و المحتالين. و أين تلك الجرة ؟
و بعد أن أحضرها ، قام صديقه بفتحها ليريه ما بداخلها من خردوات تتمثل في صواميل و براغي لا تساوي شيئا ، عندها سقط صاحبنا مغشيا عليها . و يقول كل من يعرفه أن قواه العقلية قد تضاءلت بعد تلك الحادثة.